فصل: ذكر الحرب بين ابن آقسنقر وعسكر إيلدكز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر الحرب بين ابن آقسنقر وعسكر إيلدكز

لما استقر الصلح بين إيلدكز وإينانج أرسل إلى ابن آقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة يدعوه إلى الحضور في خدمة السلطان أرسلان شاه فامتنع من ذلك وقال‏:‏ إن كففتم عني وإلا فعندي سلطان وكان عنده ولد محمد شاه بن محمود كما ذكرناه وكان الوزير ابن هبيرة قد كاتبه يطمعه بالخطبة لولد محمد شاه فجهز إيلدكز عسكرًا مع ولده البهلوان فبلغ الخبر إلى ابن آقسنقر فأرسل إلى شاه أرمن صاحب خلاط وحالفه وصارا يدًا واحدة فسير إليه شاه أرمن عسكرًا كثيرًا واعتذر عن تأخره بنفسه لأنه في ثغر لا يمكنه مفارقته فقوي بهم ابن آقسنقر وكثر جمعه وسار نحو البهلوان فالتقيا على نهر اسبيرود فاشتد القتال بينهم فانهزم البهلوان

أقبح هزيمةن ووصل هو وعسكره إلى همذان على أقبح صورة واستأمن أكثر أصحابه إلى أقسنقر وعاد إلى بلده منصورًا‏.‏

  ذكر الحرب بين إيلدكز وإينانج

لما مات ملكشاه ابن السلطان محمود كما ذكرناه أخذ طائفة من أصحابه ابنه محمودًا وانصرفوا به نحو بلاد فارس فخرج عليهم صاحبها زنكي بن دكلا السلغري فأخذه منهم وتركه في قلعة إصطخر فلما ملك إيلدكز والسلطان أرسلان شاه الذي معه البلاد وأرسل إيلكز إلى بغداد يطلب الخطبة للسلطان كما ذكرناهن شرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة وزير الخليفة في إثارة أصحاب الأطراف عليه وراسل الأحمديلي وكان ما ذكرناه وكاتب زنكي بن دكلا صاحب بلاد فارس يبذل له أن يخطب للملك الذي عندهن وهو ابن ملكشاه وعلق الخطبة له بظفره بإيلدكزن فخطب ابن دكلا للملك الذي عنده وأنزله من القلعة وضرب الطبل على بابه خمس نوب وجمع عساكره وكاتب إينانج صاحب الري يطلب منه الموافقة‏.‏

وسمع الخبر إيلدكز فحشد وجمع وكثر عسكره وجموعه فكانت أربعين ألفًا وسار إلى أصفهان يريد بلاد فارس وأرسل إلى زنكي بن دكلا يطلب منه الموافقة على أن يعود يخطب لأرسلان شاه فلم يفعل وقال‏:‏ إن الخليفة قد أقطعني بلاده وأنا سائر إليه فرحل إيلدكز وبلغه أن لأرسلان بوقا وهو أمير من أمراء زنكي وفي أقطاعه أرجان بالقرب منه فأنفذ سرية للغارة عليه فاتفق أن أرسلان بوقا عزم على تغيير الخيل التي معه لضعفها وأخذ عوضها من ذلك الجشير فسار في عسكره إلى الجشير فصادف العسكر الذي سيره إيلدكز لأخذ دوابه فقاتلهم وأخذهم وقتلهم وأرسل الرؤوس إلى صاحبه فكتب بذلك إلى بغداد وطلب المدد فوعد بذلك‏.‏

وكان الوزير عون الدين أيضًا قد كاتب الأمراء الذين مع إيلدكز يوبخهم على طاعته ويضعف رأيهم ويحرضهم على مساعدة زنكي ابن دكلا وإينانج وكان إينانج قد برز من الري في عشرة آلاف فارس فأرسل إليه ابن آقسنقر الأحمديلي خمسة آلاف فارس وهرب ابن البازدار صاحب قزوين وابن طغيرك وغيرهما فلحقوا بإينانج وهو في صحراء ساوة‏.‏

واما إيلدكز فإنه استشار نصحائه فأشاروا بقصد إينانج لأنه أهم فرحل إليه ونهب زنكي بن دكلا سهيرم وغيرها فرد إيلدكز إليه أميرًا في عسرة آلاف فارس لحفظ البلاد‏.‏

فسار زنكي إليهم فلقيهم وقاتلهم فانهزم عسكر إيلدكز إليه فتجلد لذلك وأرسل يطلب عساكر أذربيجان فجاءته مع ولده قزل أرسلان‏.‏

وسير زنكي بن دكلا عسكرًا كثيرًا إلى إينانج واعتذر عن الحضور بنفسه عنده لخوفه على بلاده من شملة صاحب خوزستان فسار إيلدكز إلى إينانج وتدانى العسكران فالتقوا تاسع شعبان وجرى بينهم حرب عظيمة أجلت عن هزيمة إينانج فانهزم أقبح هزيمة وقتلت رجاله ونهبت أمواله ودخل الري وتحصن في قلعة طبرك وحصر إيلدكز الري ثم شرع في الصلح واقترح إينانج أقتراحات فأجابه إيلدكز إليها وأعطاه جرباذقان وغيرها وعاد إيلدكو إلى همذان كان ينبغي أن تتأخر هذه الحادثة والتي قبلها وإنما قدمت لتتبع أخواتها‏.‏

  ذكر وفاة ملك الغور وملك ابنه محمد

في هذه السنة في ربيع الآخر توفي الملك علاء الدين الحسين بن الحسين الغوري ملك الغور بعد انصرافه عن غزنة وكان عادلًا من أحسن الملوك سيرة في رعيته ولما مات ملك بعده ابنه سيف الدين محمد وأطاعه الناس وأحبوه وكان قد صار في بلادهم جماعة من دعاة الإسماعيلية وكثر أتباعهم فأخرجوا من تلك الديار جميعها ولم يبق فيها منهم أحدًا وراسل الملوك وهاداهم واستمال المؤيد أي أبه صاحب نيسابور وطلب موافقته‏.‏

  ذكر الفتنة بنيسابور وتخريبها

كان أهل العيث والفساد بنيسابور قد طمعوا في نهب الأموال وتخريب البيوت وفعل ما أرادوا فإذا نهوا لم ينتهوا فلما كان الآن تقدم المؤيد أي أبه بقبض أعيان نيسابور منهم نقيب العلويين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسيني وغيره وحبسهم في ربيع الآخر سنة ست وخمسين وقال‏:‏ أنتم الذين أطمعتم الرنود والمفسدين حتى فعلوا هذه الفعال ولو أردتم منعهم لامتنعوا‏.‏

وقتل من أهل الفساد جماعة فخربت نيسابور بالكلية ومن جملة ما خرب مسجد عقيل كان مجمعًا لأهل العلم وفيه خزائن الكتب الموقوفة وكان من أعظم منافع نيسابور وخرب أيضًا من مدارس الحنفية ثماني مدارس ومن مدارس الشافعية سبع عشرة مدرسة وأحرق خمس خزائن للكتب ونهب سبع خزائن كتب وبيعت بأبخس الأثمان هذا ما أمكن إحصاؤه سوى ما لم يذكر‏.‏

  ذكر خلع السلطان محمود ونهب طوس وغيرها من خراسان

في هذه السنة في جمادى الآخرة قصد السلطان محمود بن محمد الخان وهو ابن أخت السلطان سنجر وقد ذكرنا أنه ملك خراسان بعده ففي هذه السنة حصر المؤيد صاحب نيسابور بشاذياخ وكان الغز مع السلطان محمود فدامت الحرب إلى سنة ست وخمسين وخمسمائة‏.‏

ثم إن محمودًا أظهر أنه يريد دخول الحمام فدخل إلى شهرستان آخر شعبان كالهارب من الغز وأقاموا على نيسابور إلى أخر شوال ثم عادوا راجعين فعاثوا في القرى ونهبوها ونهبوا طوس نهبًا فاحشًا وحضروا المشهد الذي لعلي بن موسى وقتلوا كثيرًا ممن فيه ونهبوهم ولم يعرضوا للقبة التي فيها القبر‏.‏

فلما دخل السلطان محمود إلى نيسابور أمهله المؤيد إلى أن دخل رمضان منسنة سبع وخمسين وخمسمائة وأخذه وكحله وأعماه وأخذ ما كان معه من الأموال والجواهر والأعلاق النفيسةن وكان يخفيها خوفًا عليها من الغز لما كان معهم وقطع المؤيد خطبته من نيسابور وغيرها مما هو في تصرفه وخطب لنفسه بعد الخليفة المستنجد بالله وأخذ ابنه جلال الدين محمدًا الذي كان قد ملكه الغز أمرهم قبل أبيه وقد ذكرنا ذلك وسلمه أيضا وسجنهما ومعهما جواريهما وحشمهما وبقيا فيها فلم تطل أيامهما ومات السلطان محمود ثم مات ابنه بعده من شدة وجده لموت أبيه والله أعلم‏.‏

كانت شاذياخ قد بناها عبد الله بن طاهر بن الحسين لما كان أميرًا على خراسان للمأمون وسبب عمارتها أنه رأى امرأة جميلة تقود فرسًا تريد سقيه فسألها عن زوجها فأخبرته به فأحضره وقال له‏:‏ خدمة الخيل بالرجال أشبه فلما تقعد أنت في دارك وترسل امرأتك مع فرسك فبكى الرجل وقال له‏:‏ ظلمك يحملنا على ذلك‏.‏

فقال‏:‏ وكيف قال‏:‏ لأنك تنزل الجند معنا في دورنا فإن خرجت أنا وزوجتي بقي البيت فارغًان فيأخذ الجندي ما لنا فيه وإن سقيت أنا الفرس فلا آمن على زوجتي من الجندي فرأيت أن أقيم أنا في البيت وتخدم زوجتي الفرس‏.‏

فعظم الأمر عليه وخرج من البلد لوقته ونزل في الخيام وأمر الجند فخرجوا من دور الناس وبنى شاذياخ دارًا له ولجنده وسكنها وهم معه ثم إنها دثرت بعد ذلك‏.‏

فلما كان أيام السلطان ألب أرسلان ذكرت له هذه القصة فأمر بتجديدها ثم إنها تشعثت بعد ذلك فلما كان الآن وخربت نيسابور ولم يمكن حفظها والغز تطرق البلاد وتنهبها وأمر المؤيد حينئذ بعمل سورها وسد ثلمه وسكناه ففعل ذلك وسكنها هو والناس وخربت حينئذ نيسابور كل خراب ولم يبق فيها أنيس‏.‏

في هذه السنة في شهر رمضان قتل الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك الأرمني وزير العاضد العلوي صاحب مصر وكان سبب قتله أنه تحكم بالدولة التحكم العظيم واستبد بالأمر والنهي وجباية الأموال إليه لصغر العاضد ولأنه هو الذي ولاه ووتر الناس فإنه أخرج كثيرًا من أعيانه وفرقهم في البلاد ليأمن وثوبهم عليه ثم إنه زوج أبنته من العاضد فعاداه أيضًا الحريم من القصر فأرسلت عمة العاضد الأموال إلى الأمراء المصريين ودعتهم إلى قتله‏.‏

وكان أشدهم في ذلك إنسان يقال له ابن الراعي فوقفوا في دهليز القصر فلما دخل ضربوه بالسكاكين على دهش منه فجرحوه جراحات مهلكة إلا أنه حمل إلى داره وفيه حياة فأرسل إلى العاضد يعاتبه على الرضى في قتله مع أثره في خلافته فأقسم العاضد بأنه لا يعلم بذلك ولم يرض به‏.‏

فقال‏:‏ إن كنت بريئًا فسلم عمتك إلي حتى انتقم منها فأمر بأخذها فأرسل إليها قهرًا وأحضرت عنده فقتلها ووصى بالوزارة لابنه رزيك ولقب العادل فانتقل الأمر إليه بعد وفاة والده‏.‏

وللصالح أشعار حسنة بليغة تدل على فضل غزير فمنها في الأفتخار‏:‏ أبى الله إلا أن يدوم لنا الدهر ويخدمنا في ملكنا العز والنصر علمنا بأن المال تفنى ألوفه ويبقى لنا من بعده الأجر والذكر خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا سحاب لديه البرق والرعد والقطر كما أنا في السلم نبذل جودنا ويرتع في إنعامنا العبد والحر وهي طويلة‏.‏

وكان الصالح كريمًا فيه أدب وله شعر جيد وكان لأهل العلم عنده أنفاق ويرسل إليهم العطاء الكثير بلغه أن الشيخ أبا محمد الدهان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتًا من شعره وهو هذا‏:‏ تجنب سمعي ما يقول العواذل وأصبح لي شغل من الغزو شاغل فجهز إليه هدية سنية ليرسلها إليه فقتل قبل إرسالها‏.‏

وبلغه أيضًا أن إنسانًا من أهل الموصل قد أثنى عليه بمكة فأرسل إليه كتابًا يشكره ومعه هدية‏.‏

وكان الصلح إماميًا لم يكن على مذهب العلويين المصريين ولما ولي العاضد الخلافة ركب سمع الصالح ضجة عظيمة فقال‏:‏ ما الخبر فقيل‏:‏ إنهم يفرحون بالخليفة‏.‏

فقال‏:‏ كأني بهؤلاء الجهلة وهم يقولون ما مات الأول حتى استخلف هذا وما علموا أنني كنت من ساعة أستعراضهم استعراض الغنم‏.‏

قال عمارة‏:‏ دخلت إلى الصالح قبل قتله بثلاثة أيام فناولني قرطاسًا فيه بيتان من شعره وهما‏:‏

قد رحلنا إلى الحمام سنينًا - ليت شعري متى يكون الحمام فكان آخر عهدي به‏.‏

وقال عمارة أيضًا‏:‏ ومن عجيب الاتفاق أنني أنشدت ابنه قصيدة أقول فيها‏.‏

أبوك الذي تسطو الليالي بحده وأنت يمين إن سطا وشمال لرتبته العظمى وإن طال عمره إليك مصير واجب ومنال تخالسك اللحظ المصون ودونها حجاب شريف لا انقضا وحجال فانتقل الأمر إليه بعد ثلاثة أيام‏.‏

  ذكر الحرب بين العرب وعسكر بغداد

في هذه السنة في شهر رمضان اجتمعت خفاجة إلى الحلة والكوفة وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وغير ذلك فمنعهم أمير الحاج أرغش وهو مقطع الكوفة ووافقه على قطعه الأمير قيصر شحنة الحلة وهما من مماليك الخليفة فأفسدت خفاجة ونهبوا سواد الكوفة والحلة فأسرى إليهم الأمير قيصر شحنة الحلة في مائتين وخمسين فارسًا وخرج إليه أرغش في عسكر وسلاح فانتزحت خفاجة من بين أيديهم وتبعهم العسكر إلى رحبة الشام فأرسل خفاجة يعتذرون ويقولون‏:‏ قد قنعنا بلبن الإبل وخبز الشعير وأنتم تمنعوننا رسومنا وطلبوا الصلح فلم يجبهم أرغش وقيصر‏.‏

وكان قد اجتمع مع خفاجة كثير من العرب فتصافوا واقتتلوا وأرسلت العرب طائفة إلى خيام العسكر وخيامهم فحالوا بينهم وبينها وحمل العرب حملة منكرة فانهزم العسكر وقتل كثير منهم وقتل الأمير قيصر وأسرت جماعة أخرى وجرح أمير الحاج جراحة شديدة وخل الرحبة فحماه شيخها وأخذ له الأمان وسيره إلى بغداد ومن نجا مات عطشًا في البرية‏.‏

وكان إماء العرب يخرجن بالماء يسقين الجرحى فإذا طلبه منهن أحد من العسكر أجهزن عليه‏.‏

وكثر النوح والبكاء ببغداد على القتلى وتجهز الوزير عون الدين بن هبيرة والعساكر معه فخرج في طلب خفاجة فدخلوا البر وخرجوا إلى البصرة ولما دخلوا البر عاد الوزير إلى بغداد وأرسل بنو خفاجة يعتذرون ويقولون‏:‏ بغي علينا وفارقنا البلاد فتبعونا واضطررنا إلى القتال وسألوا العفو عنهم فأجيبوا إلى ذلك‏.‏

  ذكر حصر المؤيد شارستان

في هذه السنة حصر المؤيد أي أبه مدينة شارستان قرب نيسابور وقاتله أهلها وبصب المجانيق والعرادات فصبر أهلها خوفًا على أنفسهم من المؤيد وكان معه جلال الدين المؤيد الموفقي الفقيه الشافعي فبينما هو راكب إذ وصل إليه حجر منجنيق فقتله خامس جمادى الآخرة من السنة وتعدى الحجر منه إلى شيخ من شيوخ بيهق فقتله فعظمت المصيبة بقتل جلال الدين على أهل العلم وخصوصًا أهل السنة والجماعة وكان في عنفوان شبابه رحمه الله لما قتل ‏.‏

ودام الحصار إلى شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة فنزل خواجكي صاحبها بعد ما كثر القتل ودام الحصر وكان لهذه القلعة ثلاثة رؤساء هم أصحاب النهي والأمر هم الذين حفظوها وقاتلوا عنها أحدهم خواجكي هذا والثاني داعي بن محمد بن أخي حرب العلوي والثالث الحسين بن أبي طالب العلوي الفارسي فنزلوا كلهم أيضًا إلى المؤيد أي أبه فيمن معهم من أشياعهم وأتباعهم‏.‏

فأما خواجكي فإنه ثبت عليه بأنه قتل زوجته ظلمًا وعدوانًا وأخذ مالها فقتل بها وملك المؤيد شارستان وصفت له فنهبها عسكره إلا انهم لم يقتلوا امرأة ولا سبوها‏.‏

  ذكر ملك الكرج مدينة آني

في هذه السنة في شعبان اجتمعت الكرج مع ملكهم وساروا إلى مدينة آني من بلاد آران وملكوها وقتلوا فيها خلقًا كثيرًا فانتدب لهم شاه أرمن بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط وجمع العساكر واجتمع معه من المتطوعة خلق كثير وسار إليهم فلقوه وقاتلوه فانهزم المسلمون وقتل أكثرهم وأسر كثير منهم وعاد شاه ارمن مهزومًا لم يرجع معه غير أربع مائة فارس من عسكره‏.‏

  ذكر ولاية عيسى مكة حرسها الله

كان أمير مكة هذه السنة قاسم بن فليتة بن قاسم بن أبي هاشم العلوي الحسنين فلما سمع بقرب الحجاج من مكة صادر المجاورين وأعيان أهل مكة وأخذ كثيرًا من أموالهم وهرب من مكة خوفًا من أمير الحاج أرغش‏.‏

وكان قد حج هذه السنة زين الدين علي بن بكتكين صاحب جيش الموصل ومعه طائفة صالحة من العسكر فلما وصل أمير الحاج إلى مكة رتب مكان قاسم بن فليتة عمه عيسى بن قاسم بن أبي هاشم فبقي كذلك إلى شهر رمضان ثم إن قاسم بن فليتة جمع جمعًا كثيرًا من العرب أطمعهم في مال له في مكة فاتبعوه فسار بهم إليها فلما سمع عمه عيسى فارقها ودخلها قاسم فأقام بها أميرًا أيامًا ولم يكن له مال يوصله إلى العرب ثم إنه قتل قائدًا كان معه أحسن السيرة فتغيرت نيات أصحابه عليه وكاتبوا عمه عيسى فقدم عليهم فهرب وصعد جبل أبي قبيس فسقط عن فرسه فأخذه أصحاب عيسى وقتلوه فعظم عليه قتله فأخذه وغسله ودفنه بالمعلى عند أبيه فليتة واستقر الأمر لعيسى والله أعلم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار عبد المؤمن صاحب المغرب إلى جبل طارق وهو على ساحل الخليج مما يلي الأندلس فعبر المجاز إليه وبنى عليه مدينة حصينة وأقام بها عدة شهور وعاد إلى مراكش‏.‏

وفيها في المحرم ورد نيسابور جمع كثير من التركمان بلاد فارس ومعهم أغنام كثيرة للتجارة فباعوها وأخذوا الثمن وساروا ونزلوا على مرحلتين من طابس كنكلي وناموا هناك فنزل إليهم الإسماعيلية وكبسوهم ليلًا ووضعوا السيف فيهم فقتلوا وأكثروا ولم ينجو منهم إلا الشريد وغنم الإسماعيلية جميع ما معهم من مال وعروض وعادوا إلى قلاعهم‏.‏

وفيها كثرت الأمطار في أكثر البلاد ولا سيما خراسان فإن الأمطار توالت فيها من العشرين وفيها كان بين الكرج وبين الملك صلتق بن علي صاحب أرزن الروم قتال وحرب انهزم فيه صلتق وعسكره وأسر هو وكانت أخته شاه بانوار قد تزوجها شاه أرمن سكمان بن ابراهيم بن سكمان صاحب خلاط فأرسلت إلى ملك الكرج هدية جليلة المقدار وطلبت منه أن يفاديها بأخيها فأطلقه فعاد إلى ملكه‏.‏

وفيها قصد صاحب صيدا من الفرنج نور الدين محمود صاحب الشام ملتجئًا إليه فأمنه وسير معه عسكرًا يمنعه من الفرنج أيضًا فظهر عليهم في الطريق كمينًا للفرنج فقتلوا من المسلمين جماعة وانهزم الباقون‏.‏

وفيها ملك قرا أرسلان صاحب حصن كيفا قلعة شاتان وكانت لطائفة من الأكراد يقال لهم الجونيه فلما ملكها خربها وأضاف ولايتها إلى حصن طالب‏.‏

وفيها توفي الكمال حمزة بن علي بن طلحة صاحب المخزن كان جليل القدر أيام المسترشد بالله وولي المقتفي وبنى مدرسة لأصحاب الشافعي بالقرب من داره ثم حج وعاد وقد لبس الفوط وزي الصوفية وترك الأعمال فقال بعض الشعراء به‏:‏ يا عضد الإسلام يا من سمت إلى العلا همته الفاخرة كانت لك الدنيا فلم ترضها ملكًا فأخلدت إلى الآخرة

  ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة

  ذكر فتح المؤيد طوس وغيرها

في هذه السنة في السابع والعشرين من صفر نازل المؤيد أي أبه أبا بكر جاندار بقلعة وسكره خوي من طوس وكان قد تحصن بها وهي حصينة منيعة لا ترام فقاتله وأعانه أهل طوس على أبي بكر لسوء سيرته فيهم وظلمه فلما رأى أبو بكر ملازمة المؤيد ومواصلة القتال عليه خضع وذل واستكان ونزل من القلعة بالأمان في العشرين من ربيع الأول من السنة فلما نزل منها حبسه المؤيد وأمر بتقييده‏.‏

ثم سار منها إلى كرستان وصاحبها أبو بكر فاخر فنزل من قلعته وهي من أمنع الحصون على رأس جبل عال وصار في طاعة المؤيد ودان له ووافقه وسير جيشًا في جمادى الآخرة منها إلى أسفرايين فتحصن رئيسها عبد الرحمن بن محمد بن علي الحاج بالقلعة وكان أبوه كريم خراسان على الإطلاق ولكن كان عبد الرحمن هذا بئس الخلف فلما تحصن أحاط به العسكر المؤيدي واستنزلوه من الحصن وحملوه مقيدًا إلى شاذياخ وحبس فيها وقيل في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة‏.‏

وملك المؤيد أيضًا قهندز نيسابور واستدارت مملكة المؤيد حول نيسابور وعادت إلى ما كانت عليه قبل إلا أن أهلها انتقلوا إلى شاذياخ وخربت المدينة العتيقة‏.‏

وسير المؤيد جيشًا إلى خواف وبها عسكر مع بعض الأمراء اسمه أرغش فكمن أرغش جمعًا في تلك المضايق والجبال وتقدم إلى عسكر المؤيد فقاتلهم وطلع الكمين فانهزم عسكر المؤيد وقتل منهم جمع وعاد الباقون إلى المؤيد بنيسابور‏.‏

وسير جيشًا إلى بوشنج هراة وهي في طاعة الملك محمد بن الحسين الغوري فحصروها واشتد الحصار عليها ودام القتال والزحف فسير الملك محمد الغوري جيشًا إليها ليمنع عنها فلما قاربوا هراة فارقها العسكر الذي يحصرها وعاودوا عنها وصفت تلك الولاية للغورية‏.‏

  ذكر أخذ ابن مردنيش غرناطة من عبد المؤمن وعودها إليه

في هذه السنة أرسل أهل غرناطة من بلاد الأندلس وهي لعبد المؤمن إلى الأمير إبراهيم بن همشك صهر ابن مردنيشن فاستدعوه إليهم ليسلموا إليه البلد وكان قد وحد وصار من أصحاب عبد المؤمن وفي طاعته وممن يحرضه على قتل ابن مردنيش‏.‏

ففارق طاعة عبد المؤمن وعاد إلى موافقة ابن مردنيش‏.‏

فامتنعوا بحصنها فبلغ الخبر أبا سعيد عثمان بن عبد المؤمن وهو بمدينة مالقة فجمع الجيش الذي كان عنده وتوجه إلى غرناطة لنصرة من فيها من أصحابهم فعلم بذلك إبراهيم بن همشك فاستنجد ابن مردنيش ملك البلاد بشرق الأندلس فأرسل إليه ألفي فارس من أنجاد أصحابه ومن الفرنج الذين جندهم معه فاجتمعوا بضواحي غرناطة فالتقوا هم ومن بغرناطة من عسكر عبد المؤمن قبل وصول أبي سعيد إليهم فاشتد القتال بينهم فانهزم عسكر عبد المؤمن وقدم أبو سعيد واقتتلوا أيضًا فانهزم كثير من أصحابه وثبت معه طائفة من الأعيان والفرسان المشهورين والرجالة الأجلاد حتلا قتلوا عن آخرهم وانهزم حينئذ أبو سعيد ولحق بمالقة‏.‏

وسمع عبد المؤمن الخبر وكان قد سار إلى مدينة سلا فسير إليهم في الحال ابنه ابا يعقوب يوسف في عشرين ألف مقاتل فيهم جماعة من شيوخ الموحدين فجدوا المسير فبلغ ذلك ابن مردنيش فسار بنفسه وجيشه إلى غرناطة ليعين ابن همشك فاجتمع منهم بغرناطة جمع كثير فنزل ابن مردنيش في الشريعة بظاهرها ونزل العسكر الذي كان أمد به ابن همشك أولًان وهم ألفا فارس بظاهر القلعة الحمراء ونزل ابن همشك بباطن القلعة الحمراء بمن معه ووصل عسكر عبد المؤمن إلى جبل قريب من غرناطة فأقاموا في سفحه أيامًا ثم سيروا سرية أربعة ألاف فارس فبينوا العسكر الذي بظاهر القلعة الحمراء وقاتلوهم من جهاتهم فما لحقوا وأقبل عسكر عبد المؤمن بجملته فنزلوا بضواحي غرناطة فعلم ابن مردنيش وابن همشك أنهم لا طاقة لهم بهم ففروا في الليلة الثانية ولحقوا ببلادهم واستولى الموحدون على غرناطة في باقي السنة المذكورة وعاد عبد المؤمن من مدينة سلا إلى مراكش‏.‏

  ذكر حصر نور الدين حارم

في هذه السنة جمع نور الدين بن محمود بن آقسنقر صاحب الشام العساكر بحلب وسار إلى قلعة حارم وهي للفرنج غربي حلب فحصرها وجد في قتالها فامتنعت عليه بحصانتها وكثرة من بها من فرسان الفرنج ورجالتهم وشجعانهم فلما علم الفرنج ذلك جمعوا فارسهم وراجلهم من سائر البلاد وحشدوا واستعدوا وساروا نحوها ليرحلوه عنها فلما قاربوه طلب منهم المصاف فلم يجيبوه إليه وراسلوه وتلطفوا الحال معه فلما رأى أنه لا يمكنه أخذ الحصن ولا يجيبونه إلى المصاف عاد إلى بلاده وممن كان معه في هذه الغزوة مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني وكان من الشجاعة في الغاية فلما عاد إلى حلب دخل إلى مسجد شيزر وكان قد دخله في العام الماضي سائرًا إلى الحج فلما دخله الآن كتب على حائطه‏:‏ نزلت بهذا المسجد العام قافلًا من الغزو موفور النصيب من الأجر ومنه رحلت العيس في عامي الذي مضى نحو بيت الله والركن والحجر فأديت مفروضي وأسقطت ثقل ما تحملت من وزر الشبيبة عن ظهري

  ذكر ملك الخليفة قلعة الماهكي

في هذه السنة في رجب ملك الخليفة المستنجد بالله قلعة الماهكي وسبب ذلك أن سنقر الهمذاني صاحبها سلمها إلى أحد مماليكه ومضى إلى همذان فضعف هذا المملوك عن مقاومة ما حولها من التركمان والأكراد فأشير عليه ببيعها من الخليفة فراسل في ذلك فاستقرت على خمسة عشر ألف دينار وسلاح وغير ذلك من الأمتعة وعدة من القرى فسلمها واستلم ما استقر له وأقام ببغداد‏.‏ وهذه القلعة لم تزل من أيام المقتدر بالله بأيدي التركمان والأكراد وإلى الآن‏.‏

  ذكر الحرب بين المسلمين والكرج

في هذه السنة في شعبان اجتمعت الكرج في خلق كثير يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ودخلوا بلاد الإسلام وقصدوا مدينة دوين من أذربيجان فملكوها ونهبوها وقتلوا من أهلها وسوادها نحو

عشرة آلاف قتيل وأخذوا النساء سبايا وأسروا كثيرًا وأعروا النساء وقادوهم حفاة عراة وأحرقوا الجوامع والمساجد فلما وصلوا إلى بلادهم أنكر نساء الكرج مافعلوا بنساء المسلمين وقلن لهم‏:‏ قد أحوجتم المسلمين أن يفعلوا بنا مثل ما فعلتم بنسائهم وكسونهن‏.‏

ولما بلغ الخبر إلى شمس الدين إيلدكز صاحب أذربيجان والجبل وأصفهان جمع عساكره وحشدها وانضاف إليه شاه أرمن بن سكمان القطبي صاحب خلاط وابن آقسنقر صاحب مراغة وغيرها فاجتمعوا في عسكر كثير يزيدون على خمسين ألف مقاتل وساروا إلى بلاد الكرج في صفر سنة ثمان وخمسين ونهبوها وسبوا النساء والصبيان وأسروا الرجال ولقيهم الكرج واقتتلوا أشد قتال صبر فيه الفريقان ودامت الحرب بينهم أكثر من شهر وكان الظفر للمسلمين فانهزم الكرج وقتل منهم كثير وأسر كذلك‏.‏

وكان سبب الهزيمة ان بعض الكرج حضر عند إيلدكز فأسلم على يديه وقال له‏:‏ تعطيني عسكرًا حتى أسير بهم في طريق أعرفها وأجيء إلى الكرج من ورائهم وهم لا يشعرون‏!‏ فاستوثق منه وسير معه عسكرًا وواعده يومًا يصل فيه إلى الكرج فلما كان ذلك اليوم قاتل المسلمون الكرج فبينما هم في القتال وصل ذلك الكرجي الذي أسلم ومعه العسكر وكبروا وحملوا على الكرج من ورائهم فانهزموا وكثر القتل فيهم والسر وغنم المسلمون من أموالهم ما لا يدخل تحت الإحصاء لكثرته فإنهم كانوا متيقنين النصر لكثرتهم فخيب الله ظنهم وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ثلاثة أيام بلياليها وعاد المسلمون منصورين قاهرين‏.‏